✨الشيخ ابراهيم الصبيحي كما عرفته✨
عرفت شيخنا الجليل العالم الفقيه الدكتور إبراهيم بن محمد الصبيحي رحمه الله من خلال بعض مؤلفاته أولا، فأعجبت بالشيخ وبمؤلفاته قبل أن أراه.
ثم تشرفت بصحبته، والاستفادة منه، والتلمذة عليه في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وتوطدت بيننا العلاقة فيما بينهما.
فكنت أحرص على اللقاء به، والجلوس معه، في الجامعة وخارجها.
إضافة للمكالمات المطولة بيننا، والتي أجني منها الثمار اليانعة في مباحثة علمية مفيدة.
وكنت شديد الحرص على الإفادة منه، وأرى ضالتي فيه.
ويبادلني شيخنا مودته وحسن تلطفه واهتمامه بي، وكم قال لي: " والله إني لأحبك في الله".
وكان يحدثني دائما عن كتبه، وعما انتهى إليه رأيه في المسائل التي يبحثها قبل أن يطبع كتابه.
وكان يوكل إلي بحث بعض المسائل،
أو تخريج بعض الأحاديث،
أو إحضار كتاب معين له،
أو غير ذلك.
فألبي له طلبه، ويسر بذلك، ويلهج بالدعاء لي بما أرجو من الله أن يجيبه.
وآخر مسألة طلب مني بحثها: (ألوان عمائم النبي صلى الله عليه وسلم التي لبسها).
وهذا من تواضعه الجم، أن لايستنكف عن ذلك مع تلميذ من تلامذته.
وكان إذا طبع كتابا من كتبه اتصل علي يبشرني بطبع الكتاب، ويقول: نسختك جاهزة.
ثم يقول: كم تريد نسخا لتوزعها على من تحب؟
فيعطيني نسخا كثيرة، وأوزعها على أصحابنا.
ويضع نسخا كثيرة في قسم السنة لأساتذة القسم.
⬅ وللشيخ ومنهجه معالم مهمة أذكر شيئا منها باختصار:
أولا: الحث على تعلم أصول الفقه،
وربط مسائل الفقه بأصوله وقواعده، وعدم التسرع في ترجيح قول دون الرجوع إلى معرفة أصلها، لئلا يقع في التناقض والاضطراب في اختياراته.
وكثيرا ما سمعته يردد هذه المسلك ويؤكد عليه.
ثانيا: الحرص على الرجوع إلى معاجم اللغة المعتبرة؛ لتحديد المعاني اللغوية الصحيحة للحقائق والمسميات القديمة والمعاصرة.
ثالثا: الدعوة إلى احترام الأئمة السابقين، والعناية بفقههم وأقوالهم، والبحث عن أدلتهم، وعدم التسرع في مخالفتهم، وهي المقدمة على أقوال المعاصرين. لأنهم أكمل وأعلم.
رابعا: إنكار دعوى (عدم وجود دليل) لمسألة عليها جمهور العلماء.
ويقول: هذه مستحيلة عقلا، ولكن المشكلة تكمن في عدم معرفة دليلهم.
خامسا: الحث على التأني والتثبت في تبني رأي يخالف ما عليه جمهور العلماء في أي مسألة.
وإضفاء الهيبة لقول الجمهور.
سادسا: الوصية بدراسة الفقه من كتب المذاهب المعتبرة والتدرج فيها، وخطأ الدعاوى التي تدعو إلى تنكب كتب الأئمة والقفز إلى السنة مباشرة، وهو لم يميز بعد بين المطلق والمقيد، والعام والخاص، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، وطرق العمل مع المشكل ومختلف الحديث، والصحيح من الضعيف، وغير ذلك،
وربما نشأ من ذلك: إحياء الأقوال الشاذة، أو التي لم يقل بها إلا بعض أهل الأهواء كالإباضية والرافضة وأمثالهم.
سابعا: تأدبه في ردوده العلمية مع العلماء السابقين والمعاصرين، ووصفهم بما يستحقونه من المدح والتبجيل، مع مناقشتهم فيما يرى الشيخ مخالفتهم للصواب، بأدلة علمية.
ثامنا: حسن الاستدلال بالأدلة والاستنباط منها.
حتى إنه ذكر لي - متحدثا بنعمة الله - عددا من الاستدلالات والاستباطات له أنه لم ير من سبقه إليها.
⬅ من أبرز مناقبه:
- التواضع وخفض الجناح لطلابه: فكم يحرجني الشيخ بتواضعه الجم، وتحمله لأسئلتي ومناقشاتي ولو استغرقت معه وقتا طويلا دون تضجر أو ملل.
- الحرص على بذل العلم ونشره والتأليف فيه.
- عفة اللسان، وسلامة القلب، وتبسمه الذي لا يفارق محياه.
نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا.
⬅ من أشهر مؤلفاته:
عني الشيخ بفقه العبادات؛ لأنها أهم مايجب على العبد تعلمه وفهمه وتطبيقه وفق السنة.
ومن مؤلفاته:
- أحكام المسح على الخفين.
- قصر الصلاة للمغتربين.
- عدد ركعات صلاة التراويح.
- حكم دعاء ختم القرآن.
- حكم زكاة الحلي.
- الصيام ومفطراته الطبية.
- مشكل لباس الإحرام.
- مشكل المناسك.
وأخبرني عن بحثين له لم ينشرهما، وهما: "نواقض الوضوء"، و"حكم طلاق الثلاث".
⬅ جملة من اختياراته الفقهية:
- انتقاض الوضوء من مس المرأة بشهوة.
- انتقاض الوضوء من خروج الدم الكثير من الجسد.
- انتقاض الوضوء من مس الذكر.
- ابتداء مدة المسح على الخفين: من الحدث، كما عليه الجمهور، لا من المسح.
- انتقاض الوضوء من خلع الخف ولو بقي على طهارته.
- عدم جواز المسح على الخف المخرق والشفاف، وكذلك الجورب.
- عدم جواز القصر والجمع للطلاب المبتعثين للدراسة، ولا يصح تسميتهم مسافرين شرعا.
- تحديد مدة جواز الترخص في السفر لمن سافر ومكث في بلد ثلاثة ايام كاملة دون يوم الدخول ويوم الخروج، فإن زاد وجب عليه الإتمام.
- اعتبار المسافة المبيحة للقصر بالمسافة لا بالعرف، وهي مرحلتان من سير الإبل، ويرى أنها تعادل 90 كيلو تقريبا.
- عدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الجهرية.
- عدم وجوب الزكاة في الحلي المستعمل للنساء.
- وجوب الزكاة لمن له دين على غني باذل، إذا حال عليه الحول وبلغ النصاب.
- عدم وجوب الزكاة في أرض تملكها الإنسان بغير طريق الشراء كالإرث مثلا، وتجب في مالها إذا قبضه وحال عليه الحول.
- عدم جواز إعطاء الزكاة لحلقات التحفيظ وسائر الأعمال الخيرية؛ لأن أصناف الزكاة محددة في الآية.
وأما صنف "وفي سبيل الله" فيراد به الغزاة في سبيل الله، وليس مطلق الأعمال الخيرية.
- التفطير بكل مايدخل البدن، من مغذ وغير مغذ، (ويدخل فيه الإبر بأنواعها والبخاخات وحبوب المص وغيرها،
وأن تحديد مناط التفطير هو الإدخال، وليس التغذية).
وعدم التفطير بما يخرج من البدن إلا بدليل خاص.
- مشروعية صلاة التراويح بعشرين ركعة، وأن هذا هو فعل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه.
وأن القول ببدعية الزيادة على الإحدى عشرة: "قول محدث".
- مشروعية دعاء ختم القرآن، في التراويح، وخارجها، كما فعله السلف.
- تحريم الإحرام بالتنورة المخيطة للرجال، ومن لبسها للحاجة فعليه الفدية.
ونقل عن أئمة اللغة تسميتها "بالنقبة"، وأنها تعد من أنواع السراويلات.
- مشروعية الإكثار من العمرة، لأهل مكة وغيرهم، بلا فرق، قبل الحج وبعده، مادام يمكنه حلق رأسه أو تقصيره.
- التحلل الأول يكون بالرمي والحلق.
- الطلاق الثلاث مرة واحدة يقع ثلاثا كما هو قول الجماهير.
- مشروعية الاستعاذة عند التثاؤب لدلالة القرآن: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) والتثاؤب من الشيطان.
⬅ وفاته:
أصيب الشيخ رحمه الله بجلطة في دماغه مساء الجمعة
ونقل إلى المستشفى العسكري.
وزرته ظهر اليوم الذي يليه وهو في غيبوبة، وبقي على ذلك أسبوعا ونصف حتى توفاه الله ليلة الثلاثاء.
وصلي عليه بعد صلاة العصر من يوم الثلاثاء 1437/5/7 في جامع الراجحي بالرياض.
وأم المصلين عليه: معالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله.
وحضر الصلاة عليه وتشييعه جمع غفير من المشايخ وأساتذة الجامعة وطلابه ومحبيه.
منهم: الشيخ عبد الرحمن البراك والشيخ عبدالعزيز الراجحي والشيخ عبدالكريم الخضير والشيخ عبدالله القصير والشيخ عبدالله المطلق وغيرهم.
وبعد دفنه جاء الشيخ البراك ووقف على قبره يدعو له ثم انصرف.
وجاء بعده الشيخ عبدالعزيز الراجحي وجلس عند قبره يدعو له طويلا، ثم انصرف.
رحم الله شيخنا الصبيحي رحمة واسعة وغفر له وأسكنه الجنة
وبلغه منازل الصديقين
ورفع درجاته في المهديين
وأخلف له في عقبه في الغابرين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكتبه تلميذه/
عبدالله بن صالح العنزي
قسم السنة وعلومها بجامعة الإمام
الأربعاء 1437/5/8
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق